إيجار رخيص!
قال لي: أجار البيت غالي .. أنت لا تحتاج إلا إلى غرفتين وصالة.. فقط.. انت مغترب!.. وفر فلوسك!!
هذا رأيه .. وهو للأسف لايراقب شريط الزمن الذي يمر سريعا في حياته.. ولا يراقب تذبذب هذا الشريط كم يصعد وكم يهبط في اليوم الواحد..
بالنسبة لي: أنا شخص مغترب .. وفي دولة تمنع التملك لغير المواطن دائما أسأل نفسي: هل سأظل أسكن في بيوت مقرفة طوال حياتي بحجة التوفير؟..
ألا أستطيع أن أشبع فرصتي الوحيدة في هذه الدنيا بأن أسكن ببيت أجار على الأقل فيه نسبة من الراحة والرحابة؟..
كل شخص ينخر في أذني ويستعرض لي أنه يسكن في شقة أقل من سعر السوق بكثير... خاصة من الأقارب والأصدقاء.. وحين أحاول أن أستفسر عن المكان وكيفية ذلك.. يخبرني على الفور بأنه طابق أرضي.. أو شقة تحتاج للكثير من الاصلاحات أو أن الكهرباء مشتركة..... وغير هذا الكثير...ولا مشكلة لديه في كل هذا... كل شيء عادي بالنسبة إليه..
أنا مستغرب : لماذا يحاول جاهدا أن يأخذ أقل سعر للشقة في حين أنه يستطيع أن يحاول أن يحصل على أكثر شقة مريحة له ولعائلته ولنفسيته (المسجونة) .. السكن من أهم أسباب الاستقرار.. لا أعلم كم متوسط عيش الانسان داخل السكن ، لكني أعتقد أنه نصف العمر أو أكثر .. وبالنسبة للمغترب هي فرصة واحدة فقط لا غير... مالمانع في سكن جيد تتوفر فيه إضاءة حديثة مريحة ومياه قوية ودهان جديد صاف وبلاط سيراميك يغير من وضع المزاج...
لماذا يسعى كل حياته للتنقل من بيت لبيت بحجة تتبع الأسعار الأقل بغض النظر عن أي شيء..
المواسير قديمة وملوثة ورائحة الصدأ في كل مكان وفي كل صبة ماء حتى لتصبح زومبي أثناء استحمامك من الصدأ الذي يطليك والرائحة التي تغمرك .. لامشكلة لديك..
الصرف به مشاكل وتصدر منه رائحة كريهة أغلب الأوقات تذكرك برائحة غرفة برادات جثث الموتى .. لايهم..
جدران مكتوب عليها (شخاميط ) ومهترئة ومليئة بالثقوب تذكرك بغرف السجون الجماعية.. لايهم..
بلاط قديم مثير لمتلازمة (نزاهة الهوية الجسدية) ومفاقم لمرض (الإكتئاب ثنائي القطبين) و (المنخوليا)..لايهم..
حمام ضيق يذكرك يوميا بـ (الكلوستروفوبيا) .. لايهم..
كراسي حمام قعد عليها واستعملها أكثر من 10 آلاف شخص حتى الآن منذ عهد الاتحاد السوفييتي .. لايهم..
أبواب هرمت وشاخت وامتلأت بالتجاعيد وأصبح صوتها شبيه بالفزاعة في حقل أو غابة مهجورة... لايهم..
نوافذ تتحرك وتتخبط مع كل هبة هواء لتصيبك يوميا بصداع شبيه بصداع (المايجرين) وأكثر.. لايهم
يوميا تلاحق مجموعة من الحشرات وتخفي الفوبيا التي لديك من الصراصير أو من الأب الشهير (أبو بريص) أمام زوجتك .. وتضطر لشم الـ (بف باف) المصنع والمستخرج من إبط الصراصير.. ولايهم..
مصعد بالكاد يصعد ، بل يصعد على عكاز وأيضا يصيبك بـ (الكلوستروفوبيا) يوميا بل وبـ (نوبات الهلع) كل مرة.. لايهم..
درج العمارة فريد من نوعه بسبب امتزاج روائح عديدة مع بعضها البعض خاصة القادمة من الجيران والممزوجة بأنواع البهارات المختلفة.. وصور البقع عليها منذ مئات السنين والتي تستحق أن تسمى (أحفورة) بامتياز لأنها لن تزال مهما استخدمت عليها من مواد كيماوية حديثة.. لايهم..
جيران عفا عليهم الزمن وماتوا منذ مدة ولم تبق إلا أشباحهم يسرحون ويمرحون ويصرخون .. لايهم..
والكثير الكثير من القصص التي لدى كل واحد منا..
نعم كل مغترب لديه سكن (ملك وليس إيجار) في بلده وموطنه الأصلي.. قد يكون فاخرا وعصريا وكبيرا وواسعا .. لكن كل هذا لايهم مادمت لاتسكن فيه.. ولن تسكن فيه في الحقيقة مادمت مغترب... سيكون فقط باسمك مثل الشهادة الجامعية التي هي حبر على ورق..
باختصار : لن تتمتع طوال حياتك ببيت إن لم يكن الآن في الوقت الحاضر.. في هذه اللحظة فقط..
وغدا له شأن آخر.. وانس البيت الملك أيها المغترب فهو ليس لك..
عزيزي .. أرجوك:
كف عن تكرار أخطاء غيرك.. وكف عن بهدلة نفسك كل سنة.. كفاك تعرضا للصدمات في كل مرة.. مادامت شقة قديمة ورخيصة فلابد من صدمات... صدمات تجعلك غير مرتاح من بداية الأجار السنوي حتى نهايته..
اختر لنفسك مكان عزيزا يليق بك..
فالجدران هي أهم شيء في حياتك.. لاتجعلها تسترك من الناحية المادية.. اجعلها راحة وملجأ يومي يجعلك تعشق الساعة التي ستعود إليها بعد انتهاء عملك لتضمك..
اجعلها جدران مهدئة وليست فقط ستارة مهترئة بالية..
اجعلها جدران تمنع زوجتك من التشكي والتسخط بلا سبب يوميا.. تمنعها من الرغبة في الخروج من هذا البيت يوميا من غير وعي... أرح نفسك من هذه الهموم ومن هذا التسخط..
هناك أمور نفسية تنتج من غير وعي.. فقط بسبب أن المنزل لا يسبب هذه الراحة المرجوة منه وقد يكون كلاكما غير واعيان لهذه المسألة ولا تستطيعان معرفة الطريقة التي تبوحان بهما عن سبب عدم راحتكما..
الجديد غير..
والواسع غير..
والعصري غير..
حتى الجيران غير..
عزيزي المغترب: استمتع بنعمة الله .. وحدث بها.. واهتم بصحتك الجسدية والنفسية أكثر... واجعل مزاجك يوميا رائقا صافيا.. ونم مرتاح البال... ولايكون ذلك إلا في مكان مأواك الحالي .. قبل أن تصل إلى مأواك الأخير..
هذا وبالله التوفيق
إن أصبت فمن الله.. وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.. وأتمنى ألا أكون جرحت نفسا أو أزعجت روحا أو ضايقت وجدانا..
ماهذه - المقالة - إلا تعبيرا عن رأيي أنا فقط.. وليس فيها أي حقيقة قد تم الإتفاق عليها..
والسلام عليكم..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق